القرار التراجعي الذي اتخذته الحكومة الأفغانية تحت ضغط من الجماعات الأصولية، بغض النظر عن ماهيتها، يمثل عودة إلى العصور الوسطى. فالشريعة التي تطالب بها تلك الجماعات المتطرفة، بل وغيرها من الجماعات التي تحب تسمية نفسها بالمعتدلة، ليست إلا الصيغة القانونية للجماعات المماثلة التي كانت تعمل في إسلام في العصور الوسطى، التي تستند على رؤية معينة لتفسير القرآن والأحاديث النبوية. إذا قورنت بالنقاش القانوني لرواد القوانين الإسلامية، هذه الشريعة بعيدة كل البعد عن المعنى الواضح للمصادر الأساسية للإسلام . وقبل أن أعرض موقف القرآن تجاه القضايا التي تتعلق بالمرأة، أود أن أوضح ما توارثناه عن النبي في هذا الصدد. أود الإشارة إلى سلوك محمد تجاه زوجاته وبناته والعناصر الأنثوية في عائلته. أكثر من الأحاديث التي نُسبت إليه، والتي تم جمعها وتطويبها، أود اتخاذ نقطة مرجعية وهي شخص محمد نفسه. تلك الأحاديث مليئة فعلا بتصريحات تتعارض مع تصرفاته وطريقته في التعامل كما ورد في سيرته الذاتية (السيرة). فمحمد في السور القرآنية لم يرفع صوته مطلقا ضد أية من زوجاته، والقرآن يشهد على ذلك. وبسبب الصراعات التي كانت بينهن، خلقت زوجات محمد له مشاكل لدرجة أن محمد نفسه تدخل مهددا بالطلاق إذا واصلن التسبب في جعله يغتم. لقد كان زوجا حنونا وأبا محبا لبناته.
كل النساء اللائي تزوجهن، بما في ذلك محبوبته عائشة، لم يستطعن جعله ينسى خديجة، زوجته الأولى المتوفاة. ذات مرة، غضب محمد من عائشة لأنها لم تكن قادرة على كبح غيرتها تجاه خديجة والتي محمد واصل حسرتها. وعند حديثه عنها ، قال : "كان لها ثقة بي في حين أن أيا من قبيلتي لم تكن له هذه الثقة، وأعطتني عندما كنت محتاجا". ومن المعروف أن محمدا لم تكن له زوجة أخرى أثناء حياة خديجة. وعندما أراد علي، ابن عمه وزوج ابنته، أن يتزوج إضافة إلى فاطمة بنت محمد، بزوجة ثانية، كما يسمح بذلك القرآن، عارض محمد قائلا : "لا ، ليس فاطمة، فهي جزء مني وأنا جزء منها ". هؤلاء الأصوليون يجب أن يقولوا لنا إذا كان من خلال حظر محمد لزوج ابنته في ممارسة ما هو حق له، تصرف محمد بما يتعارض مع القرآن. أو يتعين عليهم أن يفهموا أن تعدد الزوجات مسموح به ولكنه ليس حقا قانونيا.
يجب علينا أن نجعل واضحا للغاية الفرق بين ما هو مسموح به، وما يشكل الحق. عائشة، أم المؤمنين، والأكثر شعبية بين أولئك الذين سردوا حياة محمد، شاركت في الحرب الأهلية التي اندلعت بين علي، الخليفة الرابع، وبعض رفاق النبي الذين كانوا غير راضين عن سلوكه خلال اغتيال الخليفة الثالث. فهل يرى هؤلاء الأصوليون أن عائشة قد عصيت القرآن حيث يطلب فيه من زوجات النبي البقاء في منازلهن؟ في هذه الحالة، ينبغي عليهم إدانة سلوك عائشة، أو التشكيك في تفسيرهم لكل شيء: القرآن، والسنة، والتاريخ.
عائشة فهمت على وجه الدقة مضمون السياق المحدد للقرآن ولذلك كانت تشارك في الحياة العامة. اليوم، كلمات القرآن عن المرأة يمكن تصنيفها بطريقتين، كل منهما مرتبط بمساحة محددة. المساواة المطلقة في الحقوق والواجبات هي بارزة بوضوح، سواء في ممارسة الشعائر الدينية أو بالنسبة للثواب والعقاب بعد الموت. نفس المساواة المطلقة معبر عنها في نطاق التناسل الكوني والطبيعي: فالحياة تنبع من هذا الاتصال بين الذكور والإناث. وفي العملية الإبداعية للتناسل، الرجل والمرأة شريكان متساويان. إنه ميدان الحياة الاجتماعية، الذي يقر فيه القرآن بالاختلافات ويحاول تغيير المجتمع الحالي المحابي للذكور. القرآن غيّر التقاليد العربية، التي مورست لفترة طويلة، والتي استنادا لها كان الابن الأكبر هو الوريث الوحيد للميراث الأبوي، وجعل الإرث يُوزع على جميع الأبناء، والبنات، والزوجة.
ومن المفارقات العجيبة بالنسبة للميراث، يتحدث القرآن فقط عن " الزوجة" وليس زوجات المتوفى. وبالتالي النساء متضمنات في التقسيم. في القرآن، يُقدم الزواج بتعبيرات الهدوء والمحبة المتبادلة: الزوج والزوجة يكمل بعضها بعضا. إنهما شيء واحد. مقارنةً بتعريف الزواج في الشريعة الإسلامية، حيث عقد الزواج هو عقد بيع والمرأة مثل السلعة، يضع القرآن الزواج في مرتبة عالية.
في القرآن، الاختلافات في الميدان الاجتماعي هي فقط معترف بها، ولكنها ليست شرعية تماما. ولكنها كانت شرعية ومتطورة في الاتجاه المعاكس لقرآن رجال القانون فيما هو معروف اليوم بالشريعة. بعد كل شيء، الشريعة، ما هي إلا تفسير القرآن وفقا لمعايير تاريخية معبر عنها طبقا لقواعد العصور الوسطى التي يعارضها القرآن نفسه. المشكلة والتحدي اللذان يواجههما المسلمون اليوم هو الاعتراف، والاحترام، والتنفيذ، في المجتمع حيث المجتمع الحديث الذي تكون فيه المساواة والحرية وحقوق الإنسان هي القاعدة، والمساواة المطلقة على النحو الذي يحددها فيه القرآن على أعلى مستوى فهل سنتمكن من تعزيز المضمون الاجتماعي للقرآن في مجال كوني وأخلاقي وروحي، أم سنواصل تخفيض العصور الوسطى للقيم القرآنية ، تحت ضغط مطالب الشريعة؟
نصر حامد أبو زيد، هو أستاذ جامعي في الأدب وعلم اللغة بجامعة لايدن، وأستاذ كرسي دراسات ابن رشد للإسلام والعلوم الإنسانية بجامعة العلوم الإنسانية في أوتريخت بهولندا.