لم يمر خبر تمرد المهاجرين في منطقة روزارنو في كلابريا جنوبي إيطاليا مرور الكرام، فقد تناولته وسائل إعلامية دولية كثيرة. إضافة إلى التبعات الإعلامية، لابد من الإشارة إلى حدوث أزمة دبلوماسية مصغّرة بين مصر والحكومة الإيطالية، إثر الانتقادات الرسمية الصادرة من طرف وزارة الخارجية المصرية والمنددة بـ”حملة العدوان التي تستهدف المهاجرين وحرمانهم من حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية“. إن مسألة الهجرة لم تعد شأنا إيطالياً داخليا، وإنما دوليا.
إن الصور التي تداولتها الصحف والقنوات التلفزيونية عن أحداث روزارنو كانت محملة بمعاني الغضب والشقاء والعار. قد يتخيل المرء أنه أمام إعادة تصوير فيلم ”سبارتاكوس“ للمخرج الكبير ستانلي كوبريك، على ضوء ما يحدث اليوم. غير أنه ثمة اختلافات جوهرية بين الواقع والخيال: إن الرجال الذي قادهم سبارتاكوس ضد روما عام 70 قبل الميلاد كانوا عبيدا حقيقيين، أما المزارعون المهاجرون في روزارنو هم أحرار، (على الأقل نظريا)، ولكنهم أصبحوا عبيدا عملياً، أي على صعيد الواقع.
هل من المبالغة الحديث عن العبودية؟ لا، إطلاقا. أعتقد أن فكرة العبودية مفتاح ناجع لفهم حالة روزارنو المأساوية. لقد كشف الصحفي ألساندرو ليوغراندي في كتاب مهم نظام العبودية في حقل الزارعة في الجنوب الإيطالي. وتناول بالبحث والتحليل ظاهرة استغلال العمال المهاجرين الوافدين من أوروبا الشرقية وإفريقيا، كما تطرق إلى مسألة “الكابورالي”، وهو شخص لا يتولى فقط دور الوساطة بين أصحاب المزارعين واليد العاملة الأجنبية، بين العرض والطلب، وإنما يقوم بمهمة اجرامية تتمثل في ابتزاز وتهديد مهاجرين لا يملكون وثائق الإقامة، وبالتالي لا يتمتعون بحصانة من أي نوع.
إن وضعية روزارنو حصيلة فشل السياسة الزراعية في جنوب إيطاليا، فعولمة الأسواق أنتجت تحديات جديدة. تحتل إيطاليا المرتبة الثانية في قائمة البلدان المنتجة للطماطم، تسبقها الولايات المتحدة وتتبعها الصين. إن النموذج الزراعي الإيطالي لا يستطيع أن ينافس النموذج الأمريكي القائم على استخدام آلات لتحصيل الطماطم. هذه الآلات باهظة الثمن، إذ يتراوح سعرها بين 100 و140 ألف يورو. إن المنتجين الزراعيين الإيطاليين يفضلون النموذج الصيني لاعتماده على التحصيل اليدوي والاقتصاد في أجور العمال. على ذلك،برز نظام عبودي، يستغل مزارعين أجانب يعملون مجانا، تحت مراقبة “الكابورالي” أي الوسيط الطفيلي، عادة ما يكون أجنبيا، يحمل جنسية المهاجرين لإحكام القبضة عليهم.
تحدث وزير الداخلية الإيطالي روبرتو ماروني عن “الإفراط في التسامح” في حق المهاجرين غير القانونيين كسبب رئيسي لأحداث روزارنو. هذا تفسير قائم على مغالطات عديدة. بدلا من استهداف المنظمات الإجرامية، أصحاب المزارع والوسطاء الطفيليين، هناك إرادة جلية في ضرب ضحايا الاستغلال أي العبيد الجدد. في المقابل، يعتقد الكاتب روبرتو سافيانو (الذي فضح المنظمة الإجرامية لاكامورا) أن “المهاجرين لا يأتون إلى إيطاليا للقيام بالأعمال التي يريدها الإيطاليون فقط، وإنما من أجل الدفاع عن حقوق لا يرغب الإيطاليون الدفاع عنها”. هذه كلمات قوية وواضحة، لا تحتاج إلى تعليق.
أعتقد أن قضية روزارنو الحزينة هي مجرد بداية. للأسف، سنشهد في المستقبل القريب، هنا وهناك، صدامات بين مواطنين إيطاليين ومهاجرين. إنه شكل من أشكال الحرب بين الفقراء. بينما يحدث كل هذا، لا تزال السياسة الإيطالية حول الهجرة تتخبط دون أن تعثر على بر الأمان.
www.amaralakhous.com