هل مقتل بن لادن هو نهاية أم بداية جديدة لنظام القاعدة؟
يأتي مقتل بن لادن بعد عدد من الضربات المتتالية التي تلقاها تنظيم القاعدة في السنوات الأخيرة التي أعقبت أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 بالولايات المتحدة الأمريكية وهجمات مدريد (مارس/ آذار 2004) والتي نسبت المسؤولية فيهما للتنظيم؛ ومثلت هذه الضربات في مطاردة أعضاء التنظيم في كل من أفغانستان وعدد من الأقطار الأخرى كباكستان واعتقال عدد كبير منهم. وهو الأمر الذي دفع بالتنظيم إلى الانتشار في مناطق مختلفة من العالم معروفة بنزاعاتها وصراعاتها كما هو الشأن بالنسبة للعراق والصومال والشيشان واليمن بصورة تسمح له باسترجاع قوّته بعيدا عن أعين المراقبة ورسم استراتيجيات جديدة تعتمد على الاختطافات، حيث ظهرت العديد من التنظيمات الفرعية.
إن مواجهة الإرهاب لن تتأتى بصورة فعالة إلا في إطار من التعاون والتنسيق الدوليين والوقوف على مختلف الأسباب التي تغذي انتشاره؛ أما اختزال مواجهة الظاهرة في القبض على قياديين ومحاكمتهم أو قتلهم؛ ينطوي على قدر من المبالغة، ذلك أن عددا كبيرا من الضالعين في عمليات نسبت ل”القاعدة” في مناطق مختلفة من العالم؛ لم يتلقوا تداريب لدى هذا التنظيم أو التقوا بزعمائه؛ بقدر ما انخرطوا بشكل تلقائي في تنفيذ مخططاته؛ بناء على اقتناعهم بإديولوجيته ومخططاته.
وتشير الكثير من التقارير والأبحاث إلى أن انتشار القاعدة في عدد من المناطق؛ لا يخضع للولاء الشخصي وتلقّي الدعم والتعليمات المباشرة من التنظيم المركزي؛ بقدر ما يخضع لولاء إديولوجي يسمح بإنشاء خلايا مستقلة تقنيا ومرتبطة فكرا وإديولوجيا بتنظيم القاعدة المركزي أو بتحوّل جماعات قائمة إلى تنظيمات فرعية للقاعدة.
لماذا يصر الرئيس أوباما على القول إن الحرب ليست ضد الإسلام؟
منذ خطابه الأول حاول أوباما إعطاء إشارات إيجابية للمسلمين؛ غير أن عدم وجود مبادرات على الأرض بصدد القضية الفلسطينية واستمرار احتلال العراق قد يفرغ هذه الخطابات من مضمونها.
أعتقد أن إصرار أوباما على هذا الأمر ينطوي على مجموعة من الأسباب والخلفيات؛ فالولايات المتحدة تعرف مسبقا أن مكافحة ظاهرة “الإرهاب” لا يمكن تتأتى بفعالية في غياب تنسيق دولي؛ وبخاصة مع الدول العربية والإسلامية التي شهدت مناطق مختلفة منها انتشارا للقاعدة في السنوات الأخيرة.كما أن الأمر ينطوي على الرغبة في كسب تعاطف المسلمين والأنظمة داخل الدول الإسلامية لعزل القاعدة وخطاباتها والحؤول دون قيام تعاطف مع أجندتها.
هل أفشلت الثورات العربية السلمية مشروع الحركات الإسلامية الداعية إلى العنف؟
مما لا شك فيه أن خروج الجماهير بقيادة الشباب المنطقة العربية للتعبير بشكل وحضاري وعلني عن مجموعة من المطالب السياسية والاجتماعية؛ أعاد الاعتبار للتغيير السلمي.
كما أن التفاف مختلف أطياف المجتمع خلف الحركات الشبابية السلمية التي ذابت فيها كل الخلافات والانتماءات السياسية والإيديولوجية الضيقة؛ يبرز إيمانها بأهمية هذا التغيير السلمي وبرفض الفكر الأحادي؛ ويبين أن هناك مجموعة من الأمور والمطالب والقيم والأهداف التي تشترك فيها مختلف مكونات المجتمع.
كما أن التحولات السياسية الكبرى التي شهدتها مؤخرا مجموعة من الدول العربية كتونس أو مصر وغيرها من الدول الأخرى التي بادرت فيها السلطات إلى اتخاذ مبادرات سياسية واجتماعية استباقية؛ تبرز أن التغيير لا يتأتى بالعنف والتطرف بل إن العنف غالبا ما يكون في صالح الأنظمة الاستبدادية التي تتذرع بوقوعه للإجهاز على الحريات والحقوق والتراجع عن المكتسبات السياسية ومواجهة المعارضة السياسية على اختلافها والتضييق عليها.
كيف ترى المراجعات التي يقوم بها بعض قادة الحركات التكفيرية والجهادية؟
مما لا شك فيه أن اللجوء للعنف هو إلغاء للعقل ولثقافة الاختلاف والحوار والتعايش؛ وبخاصة عندما يتم استهداف المدنيين الأبرياء. ويبدو أنه أمام الانتقادات والتنديد بأسلوب العنف داخل المجتمع نفسه أو على الصعيد الدولي؛ لجأت الكثير من هذه الحركات بشكل تلقائي إلى هذه المراجعات. وهو أسلوب فكري يكتسي أهمية كبرى في مواجهة ثقافة التطرف والعنف على اعتبار أنه ينصب على مراجعة مختلف الأفكار التي غالبا ما تدفع صاحبها إلى ارتكاب العنف.
هل العالم أكثر أمانا بعد موت بن لادن كما قال الرئيس الأمريكي؟
إذا كان الإرهاب الدولي قد أضحى عاملا رئيسا ضمن العوامل المهددة للسلم والأمن الدوليين؛ بالنظر إلى تداعياته الخطيرة وانعكاساته السيئة في هذا الشأن؛ فإن ردود الفعل التي تواكبه في صورها الجماعية أو الانفرادية تطرح مجموعة من الإشكالات وبخاصة عندما يتم التركيز فيها على الجوانب الأمنية دون تجاوزها إلى مقاربة شمولية.
إن بلورة استراتيجية حقيقية لمكافحة “الإرهاب” يفترض أن تنطلق من إيجاد مفهوم عالمي للظاهرة؛ وتجاوز المقاربة الأمنية بحيث تقف على المسببات والدوافع الحقيقية للظاهرة في شتى أبعادها وتجلياتها النفسية والاجتماعية والتربوية.
كما أن مواجهة “الإرهاب” لن تتأتى بشكل فعّال مع بقاء مجموعة من الملفات والقضايا الإقليمية والدولية بدون حلّ(الاحتلال الإسرائيلي للأراضي لفلسطين ومختلف الأراضي العربية الأخرى؛ الاحتلال الأمريكي للعراق..)؛ ومع استمرار السلوكات الاستفزازية التي تنهجها الولايات المتحدة عبر سياساتها في العديد من المناسبات والمحطات، والتي تصل أحيانا إلى حدّ تعطيل عمل المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة أو تحريفها عن أهدافها وقطع الطريق أمام تدخلاتها المشروعة..؛ وهي العوامل التي يعتبرها العديد من الباحثين والخبراء تحريضا على “الإرهاب”.
بعد الإعلان عن مقتل بن لادن، تركّز النقاش حول كيفية الدفن ورمي الجثة في البحر، هل كابوس بن لادن سيبقى رغم موته؟
لقد أبدى الكثير من المتتبعين استياءهم من الطريقة التي تعاملت بها الولايات المتحدة الأمريكية مع جثة بن لادن برميها في البحر بعد قتله بذريعة حتى لا يتحول قبره إلى مزار ملهم وداعم لانتشار فكر القاعدة.
مشروع القاعدة لم ينته بمقتل بن لادن وهذا ما يؤكد انتشار التنظيم في مناطق مختلفة تعرف بنزاعاتها؛ وتزايد الأخبار عن وجود أنصار ومؤيدين لهذا المشروع في مناطق مختلفة من العالم بما فيها الدول الغربية؛ ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية واعية بأن الأمر قد يزداد خطورة مع هذا الاغتيال برغبة التنظيم في الانتقام.
استغلت الأنظمة العربية الدكتاتورية الارهاب لقمع الحريات وترسيخ قانون الطوارئ، هل انتهت لعبة الفزاعة؟
إن ما وقع في تونس وفي مصر؛ وما يقع من أشكال احتجاجية عارمة في عدد من الدول العربية التي لم تتردد مختلف الأنظمة المستبدة في ربطها بحركات إرهابية؛ يبرز المأزق الحقيقي الذي يطوّق هذه الأنظمة في المنطقة؛ بعدما تنامى الوعي الشعبي بضرورة التخلص من مظاهر الظلم والاستبداد والفساد؛ وتخلص الجماهير من عقدة الخوف التي رسّختها فيها هذه الأنظمة على امتداد عقود طويلة؛ كما يبرز أيضا أن هناك وعيا واقتناعا متزايدين بأن الأنظمة المستبدة في المنطقة العربية غالبا ما تتذرع بمكافحة الإرهاب من أجل قمع الحريات والتضييق على كل الأصوات المعارضة والتراجع عن مختلف المكتسبات على قلتها.
ويزداد هذا المأزق خطورة مع ظهور بوادر تؤكد اقتناع الكثير من القوى الغربية الكبرى بأن تكلفة التواطؤ مع الاستبداد ضخمة وخطيرة جدا على مصالحها السياسية والاقتصادية؛ وبأن دعم الديمقراطية هو المدخل الناجع لترسيخ الاستقرار والشفافية في المعاملات والعلاقات السياسية والاقتصادية محليا ودوليا؛ بعدما ظلت تجامل الاستبداد في المنطقة العربية لعقود عديدة؛ حفاظا على مصالحها؛ واعتقادا منها بدور رموزه في مواجهة التطرف والهجرة السّرية و”الإرهاب”. وظنّا منها بأن تشجيع الديمقراطية سيسمح للإسلاميين باكتساح المشهد السياسي بهذه الأقطار.
إذا كان العنف لا يخدم التغيير والديمقراطية، فما هو الطريق للقضاء على الاستبداد في العالم العربي؟
لقد نجحت الأنظمة السياسية في مختلف الأقطار العربية إلى حد كبير في تدجين العديد من النخب(المثقفة، الاقتصادية، الدينية، العسكرية، الحزبية، الحكومية..) تارة بالتهديد والوعيد، وتارة أخرى بالإغراء والترغيب؛ كما ضيّقت من الهامش الدستوري والسياسي لتحركها.
مما أضحت معه مهمة هذه الأخيرة في قيادة الإصلاح والتغيير أمرا صعبا إن لم نقل مستحيلة، وهو ما سمح لمختلف الأنظمة العربية بالتمادي في تسلطها واستهتارها بإرادة الشعوب.
ولأن الطبيعة لا تحتمل الفراغ في محيط دولي متغير، خرجت الجماهير يتقدمها الشباب إلى الشارع في عدد من الأقطار العربية في إطار احتجاجات سلمية عارمة؛ بعدما سعت للبحث عن قنوات ومتنفسات بديلة من أجل التواصل فيما بينها وللتعبير عن تطلعاتها بصورة تلقائية وسلمية وحضارية؛ من خلال قنوات الاتصال الحديثة التي تتيح إمكانيات مذهلة في التواصل، قبل أن تنقل مطالبها من العالم الافتراضي إلى الواقع في شكل احتجاجات ميدانية عارمة أدت إلى سقوط عدد من الأنظمة المستبدة وإحراج أخرى محليا ودوليا ودفعها لاعتماد مجموعة من الإصلاحات.