الحرب الثانية حصلت بين الصرب والكروات، انفجرت في نفس الوقت وتبعت نفس الديناميكية: زغرب أعلنت خروجها من الفيدراليات اليوغسلافية وبلغراد ردت على ذلك باستخدام القوة. الشيء المختلف ان الصراع كان اطول وأشد حدة. وفي الحقيقة، ان الحرب الصربية-الكرواتية اتسمت بتدمير هائل ولم تنته الا عام 1995 اثر وقف اطلاق النار و حينما تمكن الجيش الكرواتي من استعادة السيطرة على اراضي جمهورية كراجينا وهي الكيان الصربي الذي صنعته بلغراد ضمن الحدود الكرواتية.
بعد سلوفينيا وكرواتيا جاء وقت البوسنة، التي بدأت حربها عام 1992 وانتهت في ثلاث سنوات، وكانت الاكثر عنفا. المجموعات القومية الثلاث في البوسنة، الصرب والمسلمين والكروات قاتلوا بعضهم بلا رحمة ليسقط قرابة مئة ألف ضحية في الميدان.
يتواصل تاريخ حرب البلقان في كوسوفو بين عامي 1998 و 1999 . في كوسوفو تم اختتام عقد من صراعات البلقان بتوفير الارضية لبريستينا كي تعلن انفصالها عن صربيا في 17 أب/فبراير 2008 ، وبعد عشرة اعوام منذ اندلاع المواجهات.
كان استقلال كوسوفو الخطوة الاخيرة في تفكيك يوغسلافيا السابقة واليوم هنالك سبعة دول حلت محل الوطن المشترك القديم لجنوب سلافيا فالى جانب سلوفينيا وكرواتيا والبوسنة وكوسوفو وصربيا، هناك مقدونيا ومونتنيغرو اللتان حصلتا على منزلة البلدان المستقلة بدون سفك للدماء. الاولى حصلت على استقلالها في نهاية عام 1991 والثانية في ايار/مايو 2006 .
قد نتسائل اليوم، كيف ستكون الاوضاع في الدول المتعددة التي تشكلت على انقاض يوغسلافيا بعد عشرين عاما من الآن؟ ماهي افاق اندماج تلك الدول في اوربا وما مدى ثقل ذاكرة الحروب؟ طرحنا تلك الاسئلة على ستيفانو بيانجيني، استاذ تاريخ اوربا الشرقية في جامعة بولونيا ورئيس معهد فورلي لدراسات اوربا الشرقية والوسطى والبلقان.
من الشائع القول ان حروب يوغسلافيا انطلقت كنتيجة للصراع الاثني. هل هنالك شئ اخر اكثر تعقيدا في تعليل أصل هذه الصراعات؟
المسألة الاثنية استُخدمت من أجل تعبئة الاجماع الداخلي، ولكن عندما نحلل اسباب الحروب سنحتاج الى ان ننظر لعوامل اخرى مثل الأزمة الاقتصادية الطويلة في يوغسلافيا خلال الثمانينيات وتراجع الايديولوجية الشيوعية وسعي النخبة للبقاء في السلطة لقد اتفق الصرب والكروات والسلوفينيين على حل الاتحاد الفيدرالي لكنهم لم يتفقوا على كيفية وموعد تحقيق ذلك مما أدى الى اندلاع الحرب اما مسألة الهوية فقد كانت نتيجة لذلك، تم استخدامها من أجل التعبئة.
البعض يقول ان يوغسلافيا كانت أُمة شديدة التنوع و “مصطنعة” لم تتمكن من البقاء طويلا. هل تتفق مع ذلك؟
كلا بالمطلق. اذا كانت يوغسلافيا كيانا مصطنعا فكيف بقيت طويلا؟ استغرق الامر عشرة سنوات من الحرب من اجل تفكيكها. لقد كانت يوغسلافيا في الحقيقة اقوى مما تبدو عليه، وحتى اليوم هنالك روابط اقتصادية وسياسية وثقافية وعائلية بين أجزائها السابقة.
بهذا الخصوص، الصحفي البريطاني تيم جودا استحضر مؤخرا مفهوم “يوغوسفير”، مجادلا بانه مازل هناك قاسم مشترك فيما بين جمهويات يوغسلافيا السابقة وان حوارا بدأ يخرج الى النور في هذا الموضوع؟
مصطلح “يوغوسفير” ينطوي على معنى. في البلقان اليوم هنالك امكانية للتعاون وتطوير مشاريع مشتركة من وجهة نظر اقتصادية مما قد يصنع نوعا من السوق الاقليمية. في زمن العولمة، ليس بين هذه البلدان من بامكانه ان يتنافس اقتصاديا بدون اتفاقيات للتعاون تربط الجيران. مع ذلك مازال هنالك نوع من التناقض الذكريات لا يجري اخذها بالاعتبار في هذا الطرح، وهي في الحقيقة تعمق الانقسام. الى جانب ذلك، يمكن القول انه بدون رعاية اوربا، لا يمكن لهذا التقدم ان يتحقق او ربما سيكون علينا الانتظار فترة أطول من اجل ان نراه.
ما مدى تأثير المنظور الاوربي بخصوص المجال ما بعد اليوغسلافي؟
في البلقان نجح التاثير الاوربي والقوة اللينة التي اعتمدها. ولو لم يكن هناك منظور اوربي مشترك لكانت المنطقة قد شهدت صراعات متزايدة. يمكن ان نعزو التقدم الذي حصل مؤخرا في البلقان الى هذا السبب. وبطريقة مشابهة فان التقدم المستقبلي سيكون مرتبطا بالعامل الاوربي. لكن هذه هي النقطة المهمة، اننا بحاجة أن نفهم انه في المستقبل القريب، قد يتم طي عملية الاندماج الاورب. لقد كان الاندفاع نحو الاندماج قويا حتى التسعينيات، لكنه اليوم يتسم بالجمود. نتيجة لذلك تراجعت قدرة الجذب لدى بروكسل. بالاضافة الى ذلك يمكن للازمة الاقتصادية ان تميع اكثر قوة وقيمة اوربا. بدون شك المنظور المشترك هو افضل ورقة يمكن استخدامها من أجل بناء السلام والتعاون في يوغسلافيا السابقة لكن اوربا كما قلت تشهد أزمة القيم والظروف الاقتصادية، وقد يكون لذلك تأثيرات سلبية كما في حال العلاقة مع البلقان.
ما هي اكثر الاوضاع تعقيدا في اقليم يوغسلافيا السابقة؟
لدى كل من مقدونيا والبوسنة وكوسوفو مشاكلهم الخاصة فيما يتعلق بالاستقرار والاندماج بين الاغلبيات الاثنية والاقليات. لكن هذ المنطقة تشهد ايضا نفوذا تركيا متناميا، وهو امر يستحق ان نتوقف عنده بحذر. تستطيع تركيا ان تدعم التعاون في البلقان لكن فقط اذا كان هنالك حوار كفوء بين انقرة واوربا. بمعنى انه اذا ما تطور المنظور الاوربي لتركيا، فان هذا البلد الاناضولي يمكن ان يتحول الى عنصر ايجابي في البلقان. عدا ذلك اذا أبقت اوربا على المسافة التي تفصلها عن تركيا كما يحصل حاليا، يمكن ان تحدث سيناريوهات اكثر تعقيدا لكننا مازلنا مجددا عند نقطة الشروع: لقد فقدت اوربا اليوم الدافع نحو الاندماج وكلما طال أمد الازمة الاقتصادية كلما اصبح اكثر تعذرا في المستقبل ان تأتي افكار جديدة من بروكسل، وكلما بقيت الاوضاع في البلقان معقدة.