فقد أُعتقل في شمال إيطاليا بتهمة قتل وإخفاء جثة صبية إيطالية اسمها يارا، لا يتجاوز عمرها 13 عاما اختفت في ظروف غامضة. واعتمد المحققون في إلقاء القبض عليه على مكالمة هاتفية تم ترجمة ما يقول فيها لصديق له باللغة العربية على أنه: ”أستغفر الله، لست أنا من قتلها“. وأمام إصرار محمد على براءته، أمر قاضي التحقيق بإعادة الترجمة، فتبيّن أن المتهم لم يقل أبدا وبأي شكل من الأشكال: ”لست أنا من قتلها“، وإنما اكتفى بالاستغفار فقط. لحسن الحظ، أُفرج عنه بعد يومين قضاهما في السجن.
وقع المحققون في خطأ فادح كاد أن يدمر حياة هذا المهاجر المسكين. أعتقد أن الخلل الرئيسي يكمن في عدم التركيز على السياق العام وإهمال عدد من التفاصيل الرئيسية كمعرفة بعض المسائل الثقافية الأساسية المتعلقة بالعرب خصوصا والمسلمين عموما، وهي في نهاية الأمر اتضح أنها ليست بتفاصيل تماما. فإن الاستغفار والبسملة والتكبير وغيرها من الجمل التي يُذكر فيها اسم الله هي كثيرة الاستعمال في حياتنا اليومية، ولا علاقة لها بالإجرام ولا يمكن إقحام كل من ينطق بها في خانة التطرف الديني. قد يقول مسلم في حالة الغضب: ”أستغفر الله“، بدلا من السب والشتم أو ”الله أكبر “ في حالة الفرح والنشوة.
وأسالت هذه القضية الكثير من الحبر في كبريات الصحف الإيطالية وحاولت بعض التعاليق تبرير ما جرى بالقول إن اللغة العربية معقدة جدا، وهو تبرير غير مقبول على الإطلاق لسببين رئيسيين:
أولا، تتوفر إيطاليا على مترجمين أكفاء بإمكانهم تجنّب هذه الأخطاء الخطيرة. وهناك مئات من المهاجرين العرب الذين يتقنون جيدا ليس فقط العربية والإيطالية وإنما اللهجات المحلية أيضا. المطلوب الاستعانة بهذه الخبرات والكفاءات.
ثانيا، إن اللغة العربية ليست غريبة في الديار الإيطالية، فهي جزء من ذاكرة إيطاليا اللغوية والثقافية. ولا تزال صقلية شاهدة على الحضور العربي الذي تجاوز قرنين من الزمن.
في الختام أكدت هذه القضية (التي انتهت على خير
بالنسبة للمهاجر المغربي) مرة أخرى أن القضاء الإيطالي نزيه ويستحق عن جدارة أن يكون عماد النظام الديمقراطي في هذا البلد.