وانقسمت النخب إلى قسمين بين مؤيدين لمنعها باسم احترام الحياة الإنسانية والمعارضين لأي تدخل باسم احترام ثقافة الشعوب وتقاليدها وخصوصياتها. في نهاية المطاف قررت السلطات البريطانية عام 1829 منع “ساتي” وإنقاذ الأرامل الهنديات من المحرقة، ولا شك في أنها أحسنت صنعاً.
استحضر هذا المثال عادة عندما أستمع إلى مرافعات حكام العالم الثالث وبعض المثقفين المقربين منهم ضد الديمقراطية. في هذا السياق أذكر خطبة طويلة للقائد الليبي معمر القذافي خلال قمة عربية قبل سنوات قليلة، إذ دعا فيها الغربيين إلى احترام خصوصيات المجتمعات الإفريقية والعربية وتعلّم أصول الديمقراطية الحقيقية الموجودة في إفريقيا وعدم ممارسة الضغوط الخارجية من أجل المطالبة بالإصلاحات السياسية.
إن عماد المشروع الديمقراطي في جميع الأدبيات المعتمدة هو ضمان السقف الأدنى لحقوق الإنسان: الحق في الحياة والكرامة والتعبير، ولا يمكن القبول بأية خصوصية ثقافية أو دينية مهما كان شكلها ومضمونها ومصدرها إذا كانت تبيح قتل الأشخاص وتعذيبهم ومصادرة حقهم الشرعي في التعبير.
لقد اعتادت الأنظمة الشمولية على رفع رايات الخصوصية الثقافية للدفاع عن مصالحها السياسية، وأدى ذلك إلى خلق حالة من التبسيط والالتباس والغموض حول مفهوم الديمقراطية، ففي الستينات لم يتردّد الديكتاتور الإفريقي موبوتو في القول “إن الديمقراطية عندنا هو ما يقرّره القائد”. وكثيرا ما ترفض الديمقراطية تحت ذرائع مختلفة كالقول إنها منتوج غربي لا يجوز زراعته في بيئة مغايرة. هناك مقياس أساسي يسمح لنا بمعرفة المستوى الديمقراطي في كل الدول، وهو الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية إضافة إلى وجود سلطة رابعة هي الصحافة المستقلة.
إن المجتمعات التي تنعم بقدر كبير من الديمقراطية (مثل الدول الإسكندينافية) هي تلك التي حقّقت التوازن بين السلطات المذكورة، فصارت كل سلطة تراقب الأخرى مما يمنع عملية احتكار صنع القرار كما هو الأمر في الكثير من دول العالم الثالث.