هذا سؤال بسيط في شكله ومعقد في جوهره. لعل الاشكال الأول يتعلق بمصطلح الورثة أي تلك الفئة من التلاميذ الذين يحق لهم حمل المشعل بعد رحيل معلمهم. فالوراثة الفكرية تختلف كليا عن وراثة الابن لأبيه في المال مثلا، فالوريث الفكري مطالب بإضافة الجديد إلى الموروث وعدم الاكتفاء به أو اجتراره واستهلاكه إلى حد تفريغه من محتواه.
لا شك أن للمفكرين الثلاثة تلامذة بالمعنى الأكاديمي لأنهم مارسوا التدريس في الجامعات عقودا من الزمن. فمن الصواب القول إن لديهم ورثة أكاديميين ولكن وظيفتهم تقتصر على النقل والتبليغ والتدريس.
إنطلاقا من هذه المقدمة، يمكننا أن نطرح بعض الأسئلة الجوهرية: من هو الوريث الفكري؟ ما هو دوره؟ كيف يمارس مهامهه؟ يمكننا التقدم خطوة إلى الأمام في هذا النقاش وتجنب التجريد بتقديم نموذج معروف هو أرسطو الذي يعد عن جدارة الوريث الفكري الشرعي لأستاذه أفلاطون.
إن وراثة أرسطو لأفلاطون تجاوزت مرحلة النقل إلى مرحلة النقد والإبداع، فقد قدم إضافات نوعية للفلسلفة في مجالات متعددة. وقد تجاوز معلمه في الكثير من المسائل حتى أنشأ مدرسة فكرية عريقة لا تقل قيمة وأصالة عن مدرسة أفلاطون.
أعتقد أن تركة نصر حامد أبو زيد ومحمد عابد الجابري ومحمد أركون ستكون من نصيب كل مفكر سينجح في مهمتين أساسيتين:
أولا، الإلمام بالتراث العربي الإسلامي والمنجزات الفكرية الغربية معا. إن جدة طروحات هؤلاء الأساتذة
الثلاثة يرجع إلى محاولتهم الناجحة في تبيئة بعض المفاهيم الغربية لمقاربة إشكاليات الواقع الفكري العربي. فقد استعان الجابري بمفهوم القطيعة الإبستمولوجية للفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار كما استفاد أبو زيد من مصطلح التأويل عند الفيلسوف الألماني كارل هانس غادمر.
ثانيا، إن الدرس الذي تعلمناه خاصة من محنة نصر حامد أبو زيد أن المتدينين المتطرفين لا يحتكرون الدين وحده بل يسعون إلى عزل كل من تسوّل له نفسه حمل مشعل التنوير وفتح باب الاجتهاد.الغاية هي تحريض الجماهير العريضة ضد التنويريين، وذلك بنشر أكاذيب وإتهامات بالزندقة والإلحاد والكفر.